الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: الرد على من أنكر توحيد الأسماء والصفات **
الحمدلله الذي عرف نفسه لعباده بما أوحى إلى رسله، وبما نصب في الأرض والسموات من عظائم قدرته، وبديع صنعه، فقال عن نفسه في كتابه والصلاة والسلام على نبي الهدى والرحمة الذي وصف ربه أكمل وصف وأحسنه فقال: [إن الله يقبض يوم القيامة الأرض وتكون السماوات بيمينه ثم يقول: أنا الملك!!] (رواه البخاري). وقال: [يد الله ملأى سحاء الليل والنهار]. وقال: [تركتكم على المحجة لا يزيغ بعدي إلا هالك] وبعد، فإني استمعت إلى شريط مسجل زعم المتكلم أن توحيد الأسماء والصفات لم يكن معلوماً عند سلف الأمة، وأن هذا التوحيد من الأمور الثانوية التي لا يضر الجهل بها ولا يجوز الاهتمام بها ولما كان هذا الكلام يهدم الدين من أساسه، إذ هدم العقيدة هدم لأصل الدين الأصيل حيث تنشأ بعد ذلك أجيال جاهلة لا تفرق بين توحيد وشرك ولا بين الخالق والمخلوق ولا بين أهل الإيمان وأهل الكفران لذلك رأيت من واجبي قياماً بالأمانة والميثاق الذي أخذه الله على من حمل علماً أن يبلغه للناس ولا يكتمه كما قال جل وعلا عبدالرحمن عبدالخالق الكويت شوال لعام 1402 هـ فأما توحيد الأسماء والصفات فهو من المعلوم من الدين ضرورة وهو أصل الدين الأصيل، وغاية التوحيد، لأن معرفة الله بأسمائه الحسنى وصفاته العليا هو أشرف العلوم، ومنتهى الإرادات وعلى أساس هذه المعرفة يقوم الإيمان الصحيح والتوحيد الخالص والمقصود بتوحيد الأسماء والصفات إثبات ما أثبته الله لنفسه وأثبته له رسله ونفي ما نفاه عن نفسه سبحانه وتعالى، ونفاه عنه رسله، وهذا القسم من أقسام التوحيد لا شك أنه أعلاها وأولها وأهمها، لأنه على أساس العلم الصحيح السليم بالله يكون الإيمان الصحيح فلا إيمان بغير علم، والعلم بصفات الله هو أساس الإيمان ولا شك أن توحيد الأسماء والصفات أشمل وأعم مما نسميه بتوحيد الألوهية والربوبية لأن العلم بكون الله هو الإله الحق، الذي لا تجوز العبادة لأحد إلا له سبحانه وتعالى والتوجه إليه على هذا الأساس فرع من العلم بأسماء الله وصفاته، وكذلك الإيمان بربوبية الله وأنه الخالق الباريء المصور.. كل هذا جزء من توحيد الأسماء والصفات، ولذلك فما سمي بتوحيد الربوبية هو جزء مما يسمى أيضاً بتوحيد الأسماء والصفات وهذا يعني أن توحيد الأسماء والصفات أشمل وأعم من توحيد الألوهية والربوبية. * وهذه الأسماء والاصطلاحات لا شك أنها أسماء واصطلاحات لم يتكلم بها الله ولا رسوله على هذا النحو وإنما أطلقها علماء السلف رضوان الله عليهم وليس هذا من البدع المحدثة بل هو من التقسيمات العلمية التي تيسر سبيل المعرفة كما يقال علم التفسير وأصول التفسير، وعلم الحديث، ومصطلح الحديث، والفقه وأصول الفقه وعلم التوحيد، وكل هذه الأقسام لم تأت في القرآن أو في السنة، ولم يعلم الرسول الأمة الدين مقسماً على هذا النحو فيعطيهم مثلاً درساً في التفسير وآخر في الحديث وثالثاً في السيرة.. وإنما كان العلم الشرعي جملة واحدة ثم حدثت هذه الأقسام والتفريعات والاصطلاحات لتيسير تعلم العلوم، وكذلك الشأن في قولنا توحيد الأسماء والصفات، وتوحيد الألوهية والربوبية إنما هي فصول في علم واحد وهي مسائل الإيمان بالله ولأن الإيمان بالله يندرج تحته فصول كثيرة من العلوم لهذا احتاج العلماء إلى هذه الاصطلاحات فقالوا توحيد الأسماء والصفات، وتوحيد الألوهية، وتوحيد الربوبية، وجاء أيضاً من قال توحيد الحاكمية وهذا عندما نشأ في المسلمين من فرق بين أمور الدين وأمور الدنيا، وظن أن للمسلم الخيار في أن يتحاكم إلى شرع الله أو شرع غيره، فجاء من قال من العلماء المحدثين أن الإيمان بالله يقتضي أن نؤمن بأنه لا حكم إلا له كما قال تعالى: * وكما أسلفنا فتوحيد الأسماء والصفات أشمل وأعم أقسام التوحيد بل كل أنواع التوحيد تتدرج تحت هذا النوع وهو يعني الإيمان بكل ما وصف الله به نفسه ووصف به رسوله، وكذلك تسمية الله سبحانه بما سمى نفسه، وبما سماه به رسوله، وقد أطلق علماء السلف هذا الاسم (توحيد الأسماء والصفات) عندما نشأ في المسلمين من يفرق بين صفة لله وصفة، فما وافق عقولهم قبلوه وما لم يوافق ردوه ومن الصفات التي ردها كثير من الزنادقة ومن لف لفهم وسار خلفهم من الجهمية والمعتزلة والأشعرية وغيرهم: صفات الغضب والرضا، والفرح والضحك، والحب والبغض والمقت، وكذلك صفة العلو والاستواء على العرش والنزول إلى السماء الدنيا، وكذلك صفة اليد، والقدم والساق والأصابع، والوجه وقالوا كل هذه الصفات إثباتها لله يقتضي التجسيم والتشبيه، والحال أنها صفات ثابتة لله سبحانه وتعالى بالنصوص القطعية في الكتاب والسنة، وليس هذا مجال سرد هذه النصوص، وإنما أحببنا هنا فقط بيان السبب في إطلاق اسم (توحيد الأسماء والصفات) الذي جعله علماء السلف نوعاً من أنواع التوحيد التي يجب العلم والإيمان بها. وقد كفر علماء السلف من رد صفة ثابتة لله سبحانه وتعالى مهما كانت هذه الصفة كما فعل خالد بن عبدالله القسري أمير واسط عندما نفى الجعد بن درهم صفة الحب والمخالة عن الله تبارك وتعالى.. فقتله خالد بن عبدالله القسري أمام الناس في يوم أضحى قائلاً (أيها الناس ضحوا تقبل الله ضحاياكم فإني مضح بالجعد بن درهم لأنه زعم أن الله لم يتخذ إبراهيم خليلاً)، وكذلك أفتى الإمام أحمد بن حنبل بكفر جهم بن صفوان ومن شايعه ممن نفوا صفة العلو عن الله تبارك وتعالى وكتب رسالته المشهورة (الرد على الزنادقة) فسمى الذين نفوا صفة العلو بأنهم زنادقة. وأما الإمام أبوحنيفة رحمه الله فقد كان أشد من هؤلاء جميعاً في تكفير من نفى صفة لله عز وجل. يقول صاحب شرح العقيدة الطحاوية روى شيخ الإسلام أبو إسماعيل الأنصاري في كتابه الفاروق بسنده إلى مطيع البلخي أنه سأل أبا حنيفة عمن قال: لا أعرف ربي في السماء أم في الأرض؟ فقال: قد كفر لأن الله يقول قلت فإن قال: إنه على العرش ولكن يقول: لا أدري العرش في السماء أم في الأرض؟ قال هو كافر لأنه أنكر أنه في السماء فمن أنكر أنه في السماء فقد كفر (شرح الطحاوية من 322، 323). ولا شك أن نفي صفة اليد عن الله تبارك وتعالى كفر لمن جحد ذلك لأن الله أثبت ذلك لنفسه في آيات كثيرة كقوله تعالى: وقوله تعالى لإبليس: وأحاديث كثيرة لا تحصى كثرة تثبت صفة اليد لله سبحانه وتعالى في كل دواوين الإسلام في الصحيحين والسنن والمسانيد.. ولا شك أن جاهل هذه الصفة جاهل، وجاحدها كافر، والإيمان بها واجب على نحو الإيمان بصفات الله كلها دون تشبيه أو تحريف كما قال الإمام مالك في كلمته المشهورة عندما سأله سائل وأما قول القائل في درسه إن القرآن لم يتعرض إلا قليلاً لصفة الله فجهل عظيم لأن القرآن كله بيان لصفة الله عز وجل فهو إما إخبار عن ذات الله وصفاته، أو عما صنعه بأوليائه من الرسل والمؤمنين، وهذا بيان أفعاله وإكرامه وإحسانه، أو عما أحله بأعدائه وهذا من صفاته، فالقرآن من أول بسم الله الرحمن الرحيم إلى الكلام في الأصول أشد خطراً من الكلام في الفروع: وبعد فإذا كان صاحب الكلمة المشار إليها آنفاً يتورع أن يفتي في الفروع أو يجتهد فيها، ويرى عليه لزاماً إتباع مجتهد أو تقليد عالم فقد كان الأولى به أن يصنع ذلك في أصول الدين ومسائل الإيمان لأن أصول الدين ومسائل الإيمان أشد خطراً فهي التي ينبني عليها الكفر والإيمان فما سند القائل من أن توحيد الأسماء والصفات ليس مهماً، ولم يتكلم من السلف الصالح في القرون الثلاثة الأولى؟! فمن قال بهذا من العلماء المجتهدين الذين يقلدهم؟ والعجيب جداً أنه لا يرضى لدينه في الأمور الفقهية إلا رجلاً كابن باز ولكنه يطلب من الناس أن يسألوا آباءهم في الأمور الاعتقادية فيقول: سلوا آباءكم هل يؤمنون بأن لله يداً أم لا؟! سبحان الله ومتى كانت الأمهات الجاهلات والآباء مصدراً للتشريع في العقائد وأصول الدين؟! وبعد فمن غربة الدين أن يتكلم به كل متكلم وأن يفتي فيه كل جاهل وأن يعلو منابره من يطعن فيه ويهدم أصوله وفروعه، وأن يبقى الدين الحقيقي غريباً طريداً فالله المستعان ولا حول ولا قوة إلا بالله. زعم الذي أنكر توحيد الأسماء والصفات أو جهله أن هذا النوع لو كان هاماً ويتوقف عليه كفر وإيمان لما جهله وضل عنه أناس فاضلون وعلماء أجلاء شهد لهم المسلمون بالخير والفضل.. والذي قاله هذا أصل عظيم من أصول الضلال والباطل، وذلك أن الحق هو ما قرره الله ورسوله، وكل ما خالف الحق فباطل لقوله تعالى: ولكن المسلمين مجمعون على أن المتأول المجتهد معذور في اجتهاده وتأويله ما دام أنه مريد للحق ساع إليه وسواء كان اجتهاده وتأوله في أمور الاعتقاد أو أمور العمل. ولو أن كل مسلم طلب منه أن يفهم الحق على حقيقته، وأن يعلم حكم الله في كل مسألة لكان هذا تكليفاً بما لا يطاق، والحال أن الله سبحانه وتعالى لا يكلف نفساً إلا وسعها. فإذا كان العالم مريداً للحق ساعياً إليه وأخطأ بتأويل أو اجتهاد فإنه معذور عند الله سبحانه وتعالى وهذا ما أجمعت الأمة عليه عملاً بقوله صلى الله عليه وسلم [إذا اجتهد الحاكم فأخطأ فله أجر، وإذا اجتهد فأصاب فله أجران] (رواه البخاري ومسلم). ولقوله تعالى: يقول ابن تيمية رحمه الله (الفتاوى ص282 ج3): "ولا يجوز تكفير المسلم بذنب فعله، ولا بخطأ أخطأ فيه كالمسائل التي تنازع فيها أهل القبلة فإن الله تعالى قال: واستطرد رحمه الله قائلاً: "والخوارج المارقون الذين أمر النبي صلى الله عليه وسلم بقتالهم قاتلهم أمير المؤمنين علي بن أبي طالب أحد الخلفاء الراشدين واتفق على قتالهم أئمة الدين من الصحابة والتابعين ومن بعدهم، ولم يكفرهم علي بن أبي طالب وسعد بن أبي وقاص وغيرهما من الصحابة بل جعلوهم مسلمين مع قتالهم، ولم يقاتلهم حتى سفكوا الدم الحرام، وأغاروا على أموال المسلمين، فقاتلهم لدفع ظلمهم وبغيهم لا لأنهم كفار، ولهذا لم يسب حريمهم، ولم يغنم أموالهم وإذا كان هؤلاء الذين قد ثبت ضلالهم بالنص والإجماع لم يكفروا مع أمر الله ورسولهم صلى الله عليه وسلم بقتالهم، فكيف بالطوائف المختلفة الذين اشتبه عليهم الحق في مسائل غلط فيها من هو أعلم منهم؟ فلا يحل لأحد من هذه الطوائف أن تكفر الأخرى ولا تستحل دمها ومالها، وإذا كانت فيها بدعة محققة". وقال أيضاً رحمه الله: "وإذا كان المسلم متأولاً في القتال أو التفكير لم يكفر بذلك كما قال عمر بن الخطاب لحاطب بن أبي بلتعة: يا رسول الله دعني أضرب عنق هذا المنافق. فقال النبي صلى الله عليه وسلم [إنه قد شهد بدراً، وما يدريك أن الله قد اطلع على أهل بدر فقال: اعملوا ما شئتم فقد غفرت لكم]. وهذا في الصحيحين وفيهما أيضاً من حديث الإفك: أن أسيد بن الحضير قال لسعد بن عبادة: إنك منافق تجادل عن المنافقين. واختصم الفريقان فأصلح النبي صلى الله عليه وسلم بينهم، فهؤلاء البدريون فيهم من قال لآخر منهم إنك منافق، ولم يكفر النبي صلى الله عليه وسلم لا هذا ولا ذاك، بل شهد للجميع بالجنة. وكذلك ثبت في الصحيحين عن أسامة بن زيد أنه قتل رجلاً بعدما قال لا إله إلا الله، وعظم النبي صلى الله عليه وسلم ذلك لما أخبره وقال يا أسامة، أقتلته بعد أن قال: لا إله إلا الله؟ وكرر ذلك عليه حتى قال أسامة: تمنيت أني لم أكن أسلمت إلا يومئذ، ومع هذا لم يوجب عليه قوداً، ولا دية، ولا كفارة، لأنه كان متأولاً ظن جواز قتل ذلك القائل لظنه أنه قالها تعوذاً. فهكذا السلف قاتل بعضهم بعضاً من أهل الجمل وصفين ونحوهم، وكلهم مسلمون مؤمنون كما قال تعالى: ومع أن المجتهد معذور ومأجور، والمتأول كذلك معذور فإنه لا يجوز لنا اتباع ما علمنا أنه خطأ أو مخالف للكتاب والسنة ولذلك قال الإمام الشافعي "أجمع المسلمون أنه لا يجوز لمسلم استبانت له سنة رسول الله أن يتركها لقول قائل كائناً من كان" فكيف إذا استبان لنا عقيدة رأي بعض العلماء خلافها وعلمنا نحن ثبوتها بالقرآن والسنة؟! ولذلك فنحن نقول لمن يريد أن يميع حقائق الدين اتباعاً في زعمه لبعض التأويلات والفتاوى أما أن تعتقد أن هذه التأويلات هي الحق فيجب عليك عند ذلك اتباعها، وأما أن تعتقد أنها باطل فيجب عليك اجتنابها. وأما صاحب التأويل فهو معذور عند الله إن كان من علماء المسلمين وممن يريد الحق ويسعى إليه. وأما نحن فلا نكون معذورين إذا استبان لنا الحق فتركناه اتباعاً لفلان أو فلان. وختاماً لا شك أن إجازة اتباع ما ثبت أنه خطأ من أقوال العلماء والفقهاء من أكبر أصول الضلال، ولو جاز لنا أن نتبع ذلك لبدلنا العقائد والشرائع جميعاً، فقد أفتى بسقوط الصلاة عن الجنب الذي لم يجد ماء، وبجواز نكاح المتعة، وبأن معراج الرسول وإسراءه كان مناماً، وبانعقاد الحلف والتوسل بالنبي وبجواز نكاح أم المزني بها، وبجواز شرب الخمر من غير العنب، وأولت كثير من صفات الله وأسمائه.. وكل هذا ثابت عن علماء فضلاء وصحابة أجلاء فكيف بمن دونهم في العلم والفضل ولو جاز لنا أن نفتي بكل ما قيل لتبدل الدين كله عقيدة وشريعة. أمرنا الله عز وجل وعلا بالإيمان به سبحانه، كما أمرنا كذلك بالإيمان بملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر، وقضائه وقدره، ولا شك أن الإيمان بالله هو ركن الإيمان الأعظم بل سائر أركان الإيمان راجعه إلى الإيمان به جل وعلا. ولما كنا لم نر الله سبحانه ولا نراه في الدنيا كما قال صلى الله عليه وسلم [واعلموا أنكم لن تروا ربكم حتى تموتوا]. رواه البخاري.. فإن الله سبحانه وتعالى وصف لنا نفسه وأخبرنا عن ذاته العلية لنصدق بذلك أولاً، ونشهد له سبحانه بما شهد لنفسه، وليكون لتصديقنا بما وصف به نفسه أثر في قلوبنا وذلك هو الإيمان. فعندما يخبرنا سبحانه أنه الإله الواحد الذي لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفوءاً أحد يستلزم هذا منا أن ندعوه وحده، ونعبده وحده، ونجعله وحده غايتنا وقبلتنا ولا نشرك معه غيره، ولا ندعي أن سواه مشابه له لأن كل شيء غيره متولد حادث يوجد ما يشابهه ويماثله، وهكذا إذا أخبرنا سبحانه أنه الرحمن الرحيم سكب هذا في قلوبنا من محبته والطمع في مغفرته ورضوانه ما يستعد كل قلب مؤمن لاستقبال ذلك. وكذلك إذا أخبرنا سبحانه وتعالى عن ذاته العليا أنه جبار ذو انتقام شديد العقاب فإن هذا يورث في قلب المؤمن خوفاً منه وتعظيماً له، ومراعاة لحدوده وأوامره، وهكذا يصبح لكل اسم من أسماء الله تعالى وصفة من صفاته جل وعلا أثرها في قلب العباد المؤمنين. وقد يظن بعض الجاهلين أن هناك صفات مما وصف الله بها نفسه، أو وصفه بها رسوله لا أثر لها في الإيمان ولا أهمية لذكرها أو استحضارها في القلب وسواء على المؤمن عرفها أم لم يعرفها، أنكرها أو أثبتها، وهذا قد يكون مرده الزندقة واتباع ما تقاولت به ن تسموا بالفلاسفة الذين وصفوا الله تعالى بصفات من عند أنفسهم وأنكروا وجحدوا ما وصف الله به نفسه وصفه به رسوله. ولا شك أنه ليست هناك صفة لله في القرآن أو في السنة إلا وقد ساقها الله لحكمة ومنفعة وغاية ولولا ذلك لما ساقها ولما ذكرها لأن كلام الله وكلام رسوله ينزه عن العبث واللغو والحشو. ومن ظن أن الله يحشو كلامه بما لا فائدة في ذكره أو لا غاية من ورائه أو لا أهمية له فقد اتهم الله بالنقص واللغو وهذا يصدق في كل ما نكلم الله به في أي موضوع. فكيف إذا تكلم الله بكلام يعظم فيه نفسه، ويعرف فيه خلقه بذاته العلية وصفاته السنية. لا شك أن الله فيما يصف فيه نفسه إنما يرشدنا إلى أعظم باب من أبواب الإيمان وهو الإيمان به سبحانه وتعالى. ولننظر إلى بعض الصفات التي قد يظن بعض الجهلة والجاحدين أنه لا أهمية لها أو لا يضر جهلها كما لا ينفع العلم بها: أ- لا تأخذه سنة ولا نوم: وصف الله نفسه في أعظم آية من القرآن كما جاء في حديث الصحيحين أنه لا تأخذه سنة ولا نوم فقال سبحانه ب- يد الله: ومن الصفات التي جحدتها قلوب النفاة، وأنكرها الزنادقة قديماً، وصف الله نفسه سبحانه بأن له يدين وهذا ما قد مدح الله به نفسه في آيات كثيرة من كتابه وقد مدحه به النبي صلى الله عليه وسلم في أحاديث كثيرة فمن الآيات قوله تعالى: وقد جاءت الأحاديث الكثيرة التي تمدح الله بهذه الصفة وتبين كثرة عطاء الله وقدرته وعظمته من ذلك قول النبي صلى الله عليه وسلم في الحديث الذي يرويه البخاري ومسلم عن أبي هريرة قال: قال صلى الله عليه وسلم: [قال الله عز وجل: أنفق أنفق عليك]، وقال صلى الله عليه وسلم: [يد الله ملأى لا تغيضها نفقة، سحاء الليل والنهار] وقال صلى الله عليه وسلم: [أرأيتم ما أنفق منذ خلق السموات والأرض فإنها لم تغض ما في يده وكان عرشه على الماء، وبيده الميزان يخفض ويرفع] (متفق عليه). وكل هذا بيان لعظيم عطاء الله وسعة فضله وأن يده الكريمة جل وعلا دائمة العطاء والإنفاق، ويشبه هذا قول النبي صلى الله عليه وسلم أيضاً: [ما تصدق أحد بصدقة من طيب، ولا يقبل الله إلا الطيب إلا أخذها الرحمن بيمينه وإن كانت ثمرة فتربو في كف الرحمن حتى تكون أعظم من الجبل كما يربي أحدكم فلوه أو فصيله] (مسلم). وفي هذا الحديث إثبات الكف، وبيان عظيم فضل الله سبحانه وتعالى وإحسانه وأنه يتقبل من العباد صدقاتهم وينميها لهم ويحاسبهم على النماء وينميها ولا شك أن هذا له تأثيره في قلب المؤمن من محبة الله ورضوانه. وفي مجال قوة الله سبحانه وتعالى وجبروته وبطشه يقول صلى الله عليه وسلم: [إن الله يقبض يوم القيامة الأرض وتكون السموات بيمينه ثم يقول: أنا الملك] (رواه البخاري عن ابن عمر رضي الله عنهما)، وفي رواية أخرى [فيجعلهما في كفة ثم يرمي بهما كما يرمي الغلام بالكرة]. وفي هذا بيان لعظمة الله وكمال قدرته وأن السموات والأرض يوم القيامة تكون بيمينه. وكذلك جاء في حديث عبدالله بن مسعود عن البخاري ومسلم أن يهودياً جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: يا محمد إن الله يمسك السموات على إصبع، والأرض على إصبع، والجبال على إصبع، والشجر على إصبع، والخلائق على إصبع ثم يقول أنا الملك. فضحك رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى بدت نواجذه. ثم قرأ: ولا شك أن أثر الإيمان بهذه الصفة في قلب المؤمن عظيم لأنها تورث القلب المهابة لله والخوف منه وتعظيم أمره وشأنه، وأنه الملك الذي قهر الملوك، وأنه لا مفر من قبضته، ولا ملجأ منه إلا إليه. ولو أن دعاة الحاكمية الذين لا يرون غيرها من صفة الله عقلوا هذه الصفات ونشروها في الأمة لكان أعظم معين لهم على تذكير الناس بربهم ودفع الناس إلى امتثال أوامره واجتناب نواهيه واستصغار شأن الجبابرة من ملوك الأرض الذين يشرعون لأنفسهم ولشعوبهم ما لم يشرعه الله! ولاستطاعوا تنفير الناس عن التحاكم إلى الطواغيت بل التحاكم إلى الملك الجبار الذي تتضاءل في يده السموات والأرض. ولكن للأسف يقوم أحدهم خطيباً فيقول: "أنا لا أعلم كيف أوحد أن لله يداً، لا أعلم، لا أعلم كيف تتم هذه المسألة؟ كيف أبني عملاً على هذه القضية" أ.هـ. ونحن نقول: وإذا لم تعلم يكون ماذا؟! وإذا جهلت؟! فما ضر المسلمين جهلك؟! وصغار طلبة العلم يعلمون ذلك، وقد شهد الله لنفسه وشهد رسول لنفسه وعظموا الله بما عظم به نفسه، ولن يضير المسلمين أن يخرج بينهم بين الحين والحين من يجهل صفة الله أو يجحدها أو يشكك فيها وستبقى طائفة على الحق منصورة لا يضرهم من خالفهم ولا من خذلهم حتى يقاتل آخرهم الدجال والحمدلله رب العالمين. * زعم المبطلون أن العناية بتثبيت أركان العقيدة، والدفاع عن حوزتها، ودفع شبهات الضالين والمنحرفين حولها. زعموا أن هذا مشغلة للمسلمين وانحراف عن السبيل، وغلو مذموم، ولم يكتفوا بذلك بل تطاولوا على كتب علماء السنة فعرضوا بكتاب العقيدة الطحاوية، وبكتاب العقيدة الواسطية وجعلوا الانشغال بهذه الكتب وأمثالها مفسدة وضلالاً وتشدداً وتنطعاً والحال أنها كتب عصم الله بها أجيال المسلمين المهتدية على مدى القرون السالفة من الشرك والوثنيات التي حدثت بعد عصر النبوة ولبست لباس الإسلام. وإمعاناً من هؤلاء المبطلين في الكيد والتضليل زعموا أن طريقة القرآن ليست كذلك موهمين الناس أن القرآن لم يتعرض لبيان العقيدة ومناقشة المبطلين والرد على الشبهات، ولما كان عامة الذين يرددون مثل هذه الأقوال ممن لا فقه لهم بقرآن ولا سنة، ولا بسيرة الصحابة والسلف الذين عاشوا عمرهم مدافعين عن عقيدة الإسلام من انتحال المبطلين، وتأويل المفسدين ولذلك أحببت هنا أن أبين جانباً من منهج القرآن في الرد على شبهات المعاندين وتثبيت دعائم الإيمان لدى المؤمنين. أولاً: القرآن وثيقة عقائدية: أعلم أخي أن القرآن يكاد يكون بكامله وثيقة عقائدية لم يترك أهل ملة ودين ممن عاصر نزوله إلا وناقشهم في معتقدهم، وأجاب على تساؤلاتهم، وفند أقوالهم وقد كان منهج القرآن في تثبيت عقيدة الإسلام على شعبتين. الأولى، الإخبار المجرد عن الله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر، كقوله تعالى عن نفسه: وقوله تعالى: وكذلك قوله عن الملائكة: وأما الطريق الآخر الذي سلكه القرآن في تثبيت دعائم العقيدة فهو هذه الردود الكثيرة على شبهات الضالين فقد ناقش القرآن الكفار من مشركي العرب في عقائدهم ورد على شبهاتهم، وكذلك ناقش النصارى واليهود، والملاحدة، في عقائدهم ورد عليهم وأبطل دعاويهم وادعاءاتهم سواء فيما يختص بصفات الله سبحانه وتعالى أو ما يختص بملائكته، أو رسله أو قضائه وقدره، فلما نسب مشركو العرب الولد لله فقالوا الملائكة بنات الله وكذلك فعل النصارى في عيسى، وفعل اليهود في عزير قال تعالى رداً عليهم: {وقالوا اتخذ الله ولداً سبحانه بل عباد مكرمون لا يسبقونه بالقول وهم بأمره يعملون}.. الآيات. وزعم الكفار أن الله عاجز عن إحيائهم بعد الموت فقال تعالى: {وضرب لنا مثلاً ونسي خلقه وقال من يحيي العظام وهي رميم قل يحييها الذي أنشأها أول مرة وهو بكل خلق عليم}.. الآية. واتهم اليهود الله بالبخل فقالوا: والمهم من كل ذلك هو ذكر إشارات وتنبيهات فقط أن القرآن وثيقة عقائدية إيمانية، وقد ذكر بعض العلماء أن آيات الأحكام العملية مائتا آية فقط، وباقي القرآن الذي يربو على ستة آلاف آية كلها في مناقشات عقائدية. ولا شك أن القرآن ناقش العقائد الموجودة في وقته وما سيزعمه الناس بعد وقت نزوله، ورد على كل العقائد الباطلة المعاصرة لوقت النزول، وهكذا أيضاً جادل رسول الله المشركين واليهود والنصارى، والسنة مليئة بمناقشات الرسول وجداله لليهود والمشركين والنصارى. وهكذا أيضاً فعل سلف الأمة الصالحون فعندما خرجوا من هذه الجزيرة اصطدموا بطوائف وملل كثيرة كالمجوس والزنادقة والفلاسفة الملحدين أو ما يسمونهم بالإلهيين، ويخطيء من يظن أن السيف الإسلامي هو الذي حسم المعركة وحده مع كل أولئك وأن انتصار المسلمين بالسيف قضى على تلك العقائد بل كانت هناك معارك مصاحبة ومتوازية مع معركة السيف وهي معركة القلم والعلم والقرآن والعقيدة انتصر فيها علماء المسلمين على دعاة الوثنية والمجوسية، والزندقة والإلحاد، ألفت الكتب الكثيرة في الرد على كل انحراف ينشأ في المسلمين تأثراً بهذه الملل الكافرة، أو على هذه الملل بذاتها. ويخطيء من يظن أيضاً أن عقائد الزنادقة، والمجوس والوثنية وسفسطة الفلاسفة قد اختفت من بين المسلمين اليوم ولا حاجة إلى الدراسة والرد على مثل هذه العقائد. فما المغالاة في الأولياء والصالحين والطواف بقبورهم والتوسل والاستشفاع بهم إلا عقائد الوثنية تأثر بها عوام المسلمين وجهالهم بل وبالتالي طائفة من علمائهم والمقدمين المشهورين فيهم وما عبادة الحكام والتحاكم إلى الطواغيت وتقديس الملوك إلا وثنية جديدة وشركاً جديداً قديماً، يسير فيه عامة المسلمين اليوم بجهل منهم أو عناد، وما صرف صفات الله عن معانيها الحقيقية ونفي ما وصف الله به نفسه من اليد والوجه والحب والبغض، والساق والقدم، والمجيء والاستواء والضحك والكلام بصوت يسمعه القريب والبعيد ما نفي ذلك إلا زندقة قديمة انتشرت قديماً وحار بها علماء السنة وكفروا أهلها وقتلوهم شر قتلة وما زال أتباعها إلى اليوم يملأون دور العلم ويفرضون عقيدتهم الباطلة على أجيال المسلمين، ويكفرون من لا يعتقد عقيدتهم، ويرمون بالتشدد والإفراط من يثبت لله ما أثبت الله لنفسه، ومن ينفي عن الله ما نفاه سبحانه عن نفسه، وما وحدة الوجود التي يؤمن بها عامة رجال التصوف الذين ما زالوا يملأون العالم الإسلامي إلا عقائد الهندوس والمجوس، بل إن الفتن العقائدية اليوم هي أبلغ ما يجابه المسلمين من مشاكل فكم من كفر اليوم يلبس لباس الإسلام، ويريد فرض نفسه على ديار المسلمين فما القول بالعصمة والرجعة، وكفر الصحابة وتبديل القرآن، وفشل الرسول في إبلاغ رسالة الإسلام إلا هدم جديد للدين يلبس لباس الإسلام. وما التفريق بين بعض الدين وبعض وجعل الدين هو العبادة فقط وفصل شؤون الاقتصاد والسياسة والاجتماع إلا هدم للدين وإلغاء لدوره الحقيقي من الحياة وما الخرافات والخزعبلات التي تسود عقائد المسلمين إلا جاهليات قديمة تلبس لباساً عصرياً وكل هذا وهذا يحتاج إلى دفاع واللسان آلته وميدانه وما يريد المبطلون اليوم إلا تخريج قطعان من المسلمين لا يدرون إلى أين يساقون وأي عقيدة يعتقدون وبأي زنديق أو مشرك يأتمون ويقتدون. ونحن بحمدالله في مجال الدعوة نقول كما قال الله لا يكلف الله نفساً إلا وسعها، فنوجب على العالم ما لا يجب على طالب العلم المبتدئ، ونوجب على طالب العلم ما لا يجب على الأمي العامي، وكل عليه أن يدعو بما يسره الله له. وكذلك لا نقول لا يكون مسلماً إلا من قرأ كتب السلف في الردود على أهل الزندقة والباطل بل نقول، لا يكون مسلماً على الحقيقة إلا من آمن بما أخبر الله عن نفسه دون تحريف أو تشبيه أو تعطيل، ومن كانت عنده شبهة وجب عليه معرفة الحق فيها، ووجب علينا تعليمه حتى يفارق الكفر أو الشرك أو الزندقة، ومنهجنا هو بناء المسلم العقائدي الذي يدافع ما استطاع عن عقيدة التوحيد، ويقف صامداً ضد عقائد الوثنية والكفر.
|